تسعى المملكة العربية السعودية لتسجيل إسمها كمركز السيارات الجديد لدول الشرق الأوسط، فالمملكة حاليا هي اكبر سوق في المنطقة من حيث استيراد السيارات وقطع الغيار، فبحسب إحصائيات أظهرت أن 770,000 سيارة تباع سنويا في المملكة! فمبيعات السيارات الجديدة إرتفعت خلال العام 2014 بنسبة 6.7%، مع توقعات بوصول عدد المبيعات إلى مليون سيارة سنويا بحلول العام 2020، وهذا الرقم سيجعل سوق السيارات في المملكة المركز السادس عشر عالميا ما سيؤهلها لعملية تجميع السيارات محليا بشكل أسهل.
تسعى السعودية أن تواجه الطلب المتزايد للسيارات من المستهلكين ليس فقط بإستيرادها من الخارج، بل أيضا عن طريق جذب المصنعين إلى داخل البلد لصناعة السيارات بإستخدام قطعها الأصلية، فالخطط تشير إلى تطوير مصانع سيارات محلية وهي تمثل القلب النابض لإستراتيجية السعودية الطموحة لتنويع الصناعة داخل البلاد.
فتطوير مجال صناعة السيارات تم تصنيفه بين أهم خمسة أولويات في البرنامج الوطني للتنمية الصناعية، ولكن طموح المملكة وسعيها هو الوصول إلى مرحلة أبعد من فقط تجميع السيارات محليا، فهي تسعى إلى إنتاج وصناعة المركبات بما في ذلك السيارات والشاحنات وأيضا الحافلات، ويكمل التصور المستقبلي لخطة السعودية بإنشاء مصانع للسيارات وقطعها في جميع أنحاء البلاد.
خلال شهر يونيو من هذا العام، تم الإنتهاء من العمل على أول شاحنة فولفو داخل مدينة الملك عبدالله الإقتصادية، وكان هذا العمل هو ثمرة عمل مشترك بين شركة الزاهد وشركة فولفو بالإضافة إلى شركة المعدات الثقيلة السعودية، ويعمل المصنع حاليا على تجميع شاحنات فولفو و رينو.
فمع إرتفاع أعداد مبيعات السيارات داخل المملكة العربية السعودية، العديد من الشركات العالمية بدأت تفكر جديا بفتح خطوط إنتاج لسياراتها داخل السعودية، بداية مع شركة إيسوزو اليابانية التي بدأت بالفعل بتجميع سياراتها داخل المملكة، ونفس الحال مع شركتي جاكوار و لاند روفر المملوكتين من قبل شركة تاتا الهندية اللذان يبحثان حاليا دراسة قابلية إنشاء مصنع لتجميع السيارات داخل المملكة.
مصنع إيسوزو لإنتاج السيارات يقع في المدينة الصناعية الثانية في الدمام على الساحل الشرقي للمملكة، والذي بدأ بالعمل منذ أواخر العام 2012، فالمصنع حاليا يقوم بتجميع 600 شاحنة F-Series بشكل سنوي بإستخدام قطع مستوردة من الخارج، وذكرت الشركة أن حجم الإنتاج قابل للزيادة، فطبقا للسيد Susumo Hosoi رئيس إيسوزو، فالشركة تخطط لإنتاج 25,000 شاحنة ما بين خفيفة وثقيلة بحلول العام 2017 و 40% من منتوج هذه السيارات مخصص للبيع في دول الخليج العربي.
مشروع إيسوزو هو ليس أول مشروع لتجميع الشاحنات في المملكة، ففي مدينة جدة الصناعية فقط، يوجد ثلاثة مصانع لتجميع الشاحنات، وأولهما بدأ بالعمل منذ ثمانينات القرن الماضي، وتنبع مشاريع تجميع السيارات من العلاقة الطويلة بين دايملر ومجموعة الجفالي السعودية، وكيل المملكة الحصري لمرسيدس، فالطرفين عملا مع بعضهما البعض لأكثر من 40 عاما، ويقومان بقيادة مصنع تجميع السيارات في جدة تحت قيادة الشركة الوطنية السعودية لصناعة السيارات، ويقوم المصنع بإنتاج 8،000 شاحنة ثقيلة بشكل سنوي للسوق المحلي والذي يتلائم مع الزيادة في نمو مشاريع البنية التحتية الأساسية وأعمال البناء في جميع أرجاء المملكة.
أيضا هناك علامة أخرى تدل على إرتفاع سوق السيارات المحلي في المملكة ظهرت هذا العام، ففي شهر مايو، قامت الشركة الوطنية السعودية لصناعة السيارات بالتعاون مع صندوق الإسثمارات العامة السعودي بعقد إتفاقية مع شركة دايو الكورية الجنوبية لبناء مشروع مصنع سيارات، وتمتلك الشركة الوطنية السعودية لصناعة السيارات حصة 50% من المشروع الذي وصلت تكلفته إلى مليار دولار أمريكي وهو ما يعادل 3.75 مليار ريال سعودي، بينما حصة صندوق الإسثمارات العامة السعودي هي 35% وتتبقى حصة 15% للشركة الكورية.
طبقا للسيد Park Kyung-Ho المدير الدولي لشركة دايو فالمصنع من المقرر أن يتم إنشاؤه في مدينة سدير الصناعية والتي تبعد بحوالي 130 كم شمال الرياض، وسيقوم بالمصنع بتلبية الطلب المحلي من السيارات كما أن المصنع سيقوم بتصدير منتجاته على دول الخليج العربي، وتقول شركة دايو أنها تسعى للوصول إلى إنتاج سنوي يقدر بواقع 150,000 سيارة في العام 2018.
أيضا هناك منتجين آخرين مثل فورد، جنرال موتورز و كرايسلر أعربوا إهتمامهم بتصنيع السيارات محليا داخل السعودية وظهرت تقارير تفيد بوجود محادثات بين الشركات المذكورة وبين وزارة التجارة والصناعة، فالسعودية في خط مع إلتزاماتها إلى منظمة التجارة العالمية والتي تقضي بالسماح للشركات الأجنبية بحق إمتلاك حصة 100% لشركاتها ومصانعها ومعداتها وممتلكاتها ومشاريعها داخل البلاد، وكذلك بإقرار مجموعة من الحوافز المالية وبحد أقصى 20% ضريبة على أرباح الشركات، كما أن الحكومة مخولة بتوفير قروض منخفضة التكلفة من صندوق التنمية الصناعية السعودية و صندوق الإسثمارات العامة السعودي.
بالإضافة إلى إرتفاع السوق المحلي، فالسعودية توفر خدمة خالية من الرسوم الجمركية للدول الأخرى المتشاركة في مجلس التعاون الخليجي بما في ذلك مملكة البحرين ودولة الكويت وسلطنة عمان و قطر والإمارات العربية المتحدة مع مجموع استيراد 1.2 مليون سيارة سنويا.
المراقبين يعتقدون أن حجم ثورة السوق في المنطقة سيكون سبب لجذب المستثمرين في الخارج، حوالي أربع مليون سيارة تباع سنويا في الشرق الأوسط ودول شمال أفريقيا، وهذا يمثل سوق أكبر من دولة عظمى مثل ألمانيا، التي تبيع ثلاثة مليون سيارة سنويا، وتعتبر السعودية رقم واحد في المنطقة من حيث عدد طلبات السيارات السنوي الذي إقترب من حاجز المليون سيارة.
خلال العشرون عاما المقبلة، تسعى السعودية إلى إنشاء صناعة تشمل إنتاج السيارات والشاحنات والحافلات، وتهدف الحكومة بحلول العام 2025 تكون قد أنهت تجميع 600,000 سيارة لتباع بشكل سنوي داخل البلاد.
نائب رئيس برنامج تطوير الصناعات التجميعية الوطنية السيد Didier Vigouroux يؤمن أنه كلما زاد حجم السيارات المصنوعة محليا، كلما جذب السوق الشركات السعودية الصغيرة بشكل أكبر، وهذا قد يشمل المؤسسات الصغيرة مثل مؤسسات قطع السيارات.
تسعى السعودية إلى جذب الشركات التي تستطيع من الإستفادة من المواد التي تصنع في السعودية، مثل البلاستيك، والكربون فايبر والمطاط الصناعي، لتحويلهم إلى قطع تستخدم في صناعة السيارات، بالإضافة إلى ذلك، فإن إزدياد إستخدام الألمنيوم في هيكل السيارة من قبل المصنعين العالميين قد يجعل من السعودية مكان جذاب لمشاريع تجميع السيارات.
شركة التعدين العربية السعودية “معادن” بالتعاون مع شركة Alcoa الأمريكية يقومان بتشغيل مجمع ضخم لصناعة الألمنيوم في رأس الخير في السعودية، ومن ضمن المنتجات هي العناصر التي تستخدم حاليا من قبل الكثير من شركات السيارات في صناعة سياراتهم.
كما أن الشركة السعودية للصناعات الأساسية تعمل مع شركة Montefibre الإيطالية لتوفير التقنية المطلوبة لإنشاء مصنع مخصص لإنشاء الكربون فايبر داخل المملكة، فهذه المادة تستخدم بشكل كبير بين شركات تصنيع السيارات حول العالم لإنشاء أدوات أخف وزنا وأكثر كفاءة في إستهلاك الوقود، كما أن شركة سابك السعودية تعمل هي الأخرى مع شركة Exxon الأمريكية في إدارة مصنع مخصصة لصناعة المطاط الصناعي المستخدم في إطارات السيارات.
وينعكس حجم طموحات السعودية في النموذج الذي أعد قبل سنوات للسيارة غزال-1، التي كانت مبنية على مرسيدس G-Class وأستخدمت نفس الأدوات التي تصنع منها، وكانت قد صممت من قبل جامعة الملك سعود بالتعاون مع شركة المواكبة للتطوير الصناعي والتجارة عبر البحار “مدروك” و شركة ديجم الكورية لصناعة السيارات. كما أن باحثين من شركة أرامكو قاموا بإستعراض نسخة من سيارة عملوا عليها ضمن بحث علمي وكانت ميزتها أنها تقلل بنسبة 70% من إنبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون الصادر من العوادم، وهذا النوع من السيارات قد يدخل في منافسة قوية أمام السيارات الكهربائية.
اللبنات الأساسية نحو قطاع صناعة سيارات ناجح داخل المملكة يجري وضعها بشكل منظم، ومع الوقت، هذا الأمر قد يصل بنا ليس فقط بصناعة سيارات شركات أجنبية، بل لربما رأينا في المستقبل صناعة سيارات شركات سعودية محليا.