تعتبر هوية المؤسسة هي الشيء الذي لا يمكن لأي مهتم بالشركة تجاهله، والعلامات التجارية لا تبني قاعدة عملاء بلا أسباب، وأقصد بذلك أنه لا يعني أن تشتري المنتج الأساسي لشركة ما لتكون من قاعدة عملاءها، أو من عشاقها !
فشركة مثل فيراري وقد صنفت أحد أغلى العلامات التجارية مؤخراً، مع أن عملاءها معروفون، بل وحتى بالأسماء والقوائم لخصوصيتهم وندرتهم، وليس ذلك بدافع مادّي فحسب بل هي عبارة عن قيم ومبادئ تتقاسمها الشركة مع عملائها، فتوسع من قاعدة المؤمنين بالمبدأ، ولديك مثال قريب لنفس الشركة، إذ لا يستطيع أي عميل الحصول على لافيراري إلا أن يكون عميلاً مخلصاً لشركة فيراري، ويعنون بذلك أن يكون قد اقتنى عدداً من النسخ الخاصة السابقة التي أنتجتها شركة فيراري.
قهي تبيع منتجاتٍ أخرى تحمل علامتها التجارية وتدر عليها إيرادات أعلى مما تدرّه كل سياراتها مجتمعة، ولذلك هي زرعت في المجتمع ثقافتها، كون فيراري تعبر عن السرعة والقوة والشجاعة، تحت اسم الفن، فهي شركة تعتبر أن منتجاتها صنعت لتوضع في المتاحف، ولتبنى لها المتاحف.
الدوافع المادية تصبح أموراً ثانوية عندما تتخطى حاجزاً معيناً، خذ مثلاً “الحب”، فعندما يحب المرء شيئاً فإن آخر ما يفكر فيه هو المال، ومع أنه مهم ولكن يصبح ثانوياً حينما يكون الحبُّ صادقاً؛ وحب السيارات ليست مزحة فحبها نابع من كون عاشقها ينظر إليها كونها قطعة فنية لا يجب التفريط فيها كما تشتري حلي ومجوهرات، فأنت تشتري لوحات فنية وقطعاً فنية بمئات الآلاف من الدولارات، فقط لأنها قطعة فنية تتلذذ بالنظر إليها والاستمتاع بها، وهذا هو الوتر الذي يعزف عليه المصممون دائماً؛ أن تشعر بأنك تمتلك قطعة فنية وليست مجرد كومة من الحديد تقلك إلى حيث تريد.
ربما هو جنون بنظر من لا يحسن تقييم الفن، ولكنه شغف لكل من يحسن تقدير الفن والإبداع.
نعود لما بدأناه، إن شركة بي ام دبليو هي الشركة الشعبية الأكثر شهرة والأسهل تمييزاً بين المئات من التصاميم الأخرى، فشخصية الشركة ثابتة وواضحة من خلال الإضاءة الدائرية في الأمام والخطية في الخلف، وبالطبع الشبك المنفصل المعروف بـ (الكليتين)، الذي رأينا جلياً محاولات جمة لتقليده وكلها باءت بالفشل، كونها حافظت على اسمها ولم تتنازل يوماً عن مبدأ من مبادئها أو هويتها الأساسية التي لطالما عرفها الناس عنها، وأقرب مثالٍ مقلِّد هو كيا كوريس التي حاولت استنساخ شخصية بي ام دبليو ولكن مع تعديل طفيف يشبه إلى حد ما شخصية الشركة الألمانية.
والنقطة الأهم، أن كل تصميم تنتجه شركة ما أو شخص ما، بإمكانه تسجيله كبراءة اختراع، وبذلك لا تندهش إذا علمت أن تصميم iPhone يحوي أكثر من 2200 براءة اختراع مسجلة باسمه، وكذلك تصميم أيقونة فولكس واجن بيتل لديها براءة اختراع لهذا الشكل، كما هو الحال مع ميني، والقائمة تطول.
مؤخراً، في العشر سنواتٍ الماضبة أخذت كل شركة تبحث عن ذاتها، وتبحث عن قاعدة ولاء عريضة، وعن شعار يخاطبون جمهورهم من أجله، عن “هوية” تعبر عن قيم الشركة على مدار تاريخها، ولعل أكثر الشركات الشعبية وضوحاً في إبراز شخصيتها هي شركة دودج بالصليب الذي يتوسطه (الوعل) تعتبر هي أكثر الشركات الشعبية حفاظاً على هويتها باستثناء تشالنجر فشخصيتها وانتماءها مستقل عن بقية منتجات الشركة.
بقي ان نعلم أنه ليست كل الشركات التي بدأت في تطبيق هوياتها على أجيال محدثة أو جديدة بالكامل من سياراتها أنها ستبقي على تلك الهوية لفترة طويلة، فبعض هذه الشركات صنعت الهوية بدافع المنافسة ليس بدافع الإيمان بالقيم والهوية، لذلك ليس كل ما يلمع ذهباً ولننتظر ونرى من الأقدر على البقاء مؤمنا بقيمه.
هذه هي المرة الأولى التي أكتب فيها مقالة هنا بالرغم من أني أملك مدونة بالفعل، ولكن دفعني الفضول وحب الكتابة للتعبير عما يجول في خاطري تجاه بعض الظواهر الخاصة بالسيارات، وكوني أهتم بالتصميم والجانب الفني في كل قطعة أراها يحتم علي مشاركتم رؤيتي لما يحصل الآن في سوق السيارات ! أو لنقل استديوهات التصميم وأروقة مراكز التطوير.