العلامات التجارية الفاخرة شهدت نمواً بطيئاً خلال القرن الماضي لدرجة جعلت بعض الشركات الرياضية الخارقة تتوقف عدة مرات قبل أن تستقر أخيراً مع بداية الألفية وتتجه لصناعة نماذج إنتاجية بنفس الاهتمام الذي توليه لقسم السباقات لدرجة أننا قد نتمكن من حصر كل الطرازات التي أنتجت من 1900 وحتى 1999 في قائمة ستكون أقصر من قائمة السيارات التي أنتجت بين 2000 و 2015 من علامات السيارات الخارقة.
تتحدث تقارير صينية عن هذا الأمر بتأكيدها أن السيارات التي ستباع في عام 2030 ستتخطى إجمالي مبيعات السيارات لأكثر من 130 عاماً مضت منذ اختراع أول سيارة! فهل هذا منطقي؟!
في هذا التقرير نحاول توضيح تأخر تطور مبيعات السيارات الرياضية والفاخرة ابتداءاً من مرسيدس التي استغرقت حوالي 15 عاماً لبدء إنتاج أول نسخة تجارية بمحرك الاحتراق الداخلي الذي ابتكره كارل بنز في 1886، وشركة بي إم دبليو التي بدأت في إنتاج السيارات عام 1929 برغم أنها كانت تزود سلاح الجو الألماني بالمحركات منذ 1880، وفيراري التي بدأت بالإنتاج في 1947 في حين أن تأسيسها كان في 1929، وهذه العلامات الثلاثة تعد أشهر العلامات الإنتاجية الفاخرة في العصر الحالي برغم وجود علامات إضافية كجاكوار وبنتلي ومايباخ التي أوقفت بعد فشلها الذريع أمام رولز رويس وأيضاً بوقاتي ولامبورجيني والشركات التي تأسست قبل مالا يقل عن 50 عاماً واجهت كلها مصاعب كبيرة جداً للوصول لوضعها الحالي كعلامة فاخرة، في حين أن تيسلا بدأت في 2003 وأصبحت تمثل رمزاً في في صناعة السيارات الكهربائية الفاخرة برغم أنها مازالت محصورة في سوق الولايات المتحدة الأمريكية.
أما رولز رويس ما زالت تصنع محركات للطائرات أكثر من المحركات التي تصنعها لسياراتها بسبب أن سيارات رولز رويس تعتبر علامة فاخرة ونادرة وليس من السهل امتلاكها للكثير من الناس، وأما مرسيدس فقد تطورت طرازاتها في آخر 10 سنوات بشكل مثير فأصبح لديها ما يقرب من 21 طراز جديد مختلف بحلول 2015، وهي في طريقها للتوسع وتجاوز 25 طرازاً بحلول 2025 أي أكثر من خمسة طرازات جديدة في أقل من 10 سنوات وهو ما يعد توسعاً سريعاً خصوصاً وأن العلامات الأقل قيمة كتويوتا تملك 20 طرازاً تقريباً في أفضل أسواقها، في حين تسوق مرسيدس نفس العدد في معظم أسواقها.
تبلغ مبيعات مرسيدس حوالي 1,5 مليون وحدة سنوياً في حين تبيع تويوتا خمسة أضعاف هذا العدد أي 7,5 مليون وحدة سنوياً برغم أن أفضل سيارات تويوتا يبدأ سعرها من أدنى طرازات مرسيدس وأعني تويوتا لاندكروزر التي يبلغ سعر أفضل فئاتها 250 ألف ريال بينما مرسيدس A 45 AMG تباع بنفس السعر، ولكن الفرق ملموس في العمر الافتراضي لصالح سيارات مرسيدس إذ يصل العمر الافتراضي لسيارات مرسيدس حتى 40-50 عاماً في حين أفضل طرازات تويوتا تصمد حتى 20-25 عاماً، والتالي فإن مرسيدس لا تحصل على سمعتها كخيار أول في الرفاهية من فراغ وإنما بسبب حرصها على تقديم الأفضل في كل طراز وهو ما يبرر ارتفاع الأسعار جزئياً.
وعالمياً يبلغ معدل التغير في السعر بين جيلين حوالي +10% من سعر الجيل السابق، وعلى هذا النحو يتوقع خلال 10-15 عاماً أن يصل سعر تويوتا كامري مثلاً إلى 160 ألف ريال وربما أكثر لأفضل الطرازات بدلاً من 120 ألف ريال في أوريون الحالية المبنية على أساس كامري، وبالتالي ستكون تلك الأسعار غير مشجعة لشراء سيارة من علامة اقتصادية كتويوتا إلا إن قررت تويوتا تحويل لكزس لعلامة شعبية وضم كامري إلى طرازاتها حينها سيصبح الأمر مقبولاً أن تشتري علامة فاخرة بحوالي 200 ألف ريال.
وبسبب القيود البيئية كما وضحنا في مقال سابق فاتجاه العلامات الفاخرة إلى استخدام تقنيات صديقة للبيئة يعزز من تواجدها في السوق لاسيما وأن زبائن هذه الطرازات يهتمون بالجودة والجمال أكثر من أي معيار آخر، وبرغم المحاولات الحثيثة من الشركات الآسيوية للحاق بقيود الانبعاثات الأوروبية والأمريكية فهي تضطر غالباً لإضافة ميزات أمان وتقنيات لا تتواجد عادة في طرازاتها العالمية لمنافسة الصانعين الأوروبيين بأسعار أقل، إلا أن هذه الطريقة لا تنجح غالباً إذ يبلغ سعر أفضل كيا سييد حوالي 150 ألف ريال، أي أقل بحوالي 10 ألف ريال عن سعر الفئة A 250 من مرسيدس بمواصفات متشابهة للغاية، ولكن بعلامة أعلى في الجودة لصالح مرسيدس.
إذن لا تعتبر أسعار العلامات الفاخرة مبالغ بها إذا ما قورنت بمنافساتها الاقتصادية في نفس الدولة، ولتوضيح ذلك بإمكاننا الاستشهاد باختبارات Euro Cap للسلامة والتي من ضمن اختباراتها (اختبار للكفاءة) وهو اختبار لقياس سرعة ودقة ورد فعل أجهزة السلامة في السيارة، وعادة ما تحصد العلامات الآسيوية نتائج أضعف بفرق واضح مع مثيلاتها الأوروبية، وبالتالي لا تحافظ العلامات الآسيوية على أسعارها في إعادة البيع كما تفعل الأخريات.
وتقول المؤشرات الاقتصادية أن معدلات دخل الفرد في أغلب الدول في ارتفاع ملحوظ في مقابل انخفاض معدلات الفقر والجريمة وهذا يضمن تحسن في نوعية العيش ونسبة رضا أفضل بسبب تقارب الدخل بين السكان، ولكن كيف يمكن أن يؤثر ذلك على صناعة السيارات الاقتصادية؟!
أكبر تهديد للسيارات الاقتصادية والعلامات الشعبية هو وجود نظام نقل عام قوي ومنافس، وقد يكون هو أكبر الأسباب التي تمنع تسويق معظم السيارات تحت غطاء عدم مطابقة المواصفات التي تشمل أنظمة الترفيه وأنظمة الأمان والرفاهية.
ومن المعروف أن دول شمال أوروبا وتحديداً فنلندا حيث تمثل الانبعاثات ثم الأمان معاييراً أساسية لمنح رخصة سير على الطرقات العامة للسيارات، وإضافة إلى ذلك فهي تفرض ضرائب كبيرة على ملاك السيارات الخاصة بسبب شمولية نظام النقل العام، ومؤخراً أقرت الحكومة الفنلندية نظاماً يتيح سيارات خاصة ضمن مشروع النقل العام على إن يبدأ العمل بالنظام في 2025.
ويهدف النظام إلى الحد من ملكية السيارات لتخفيف الاختناقات المرورية وتحسين نوعية العيش والحفاظ على البيئة وتقليل التكاليف الإضافية الناتجة عن حوادث الطرق، ويقوم النظام على أساس توفير سيارات كهربائية بمواقف مزودة بشواحن وسيارات بديلة في حال فرغت البطاريات منتشرة في أنحاء المدن ابتداءًا من العاصمة هلسنكي ومركبات شبه عديمة الانبعاثات للاستخدام ضمن بطاقة النقل العام الذي يشمل المترو والقطارات والحافلات والدراجات وأيضاً السيارات.
هذا النظام سيرفع كثيراً من مبيعات السيارات الكهربائية وسيارات خلايا الوقود تحديداً لأن الشركات ستحصل على عقود حكومية ومن المقرر كذلك أن يتم استبدال سيارات التاكسي بمركبات ذاتية القيادة لتوفير التكلفة التشغيلية الكبيرة جداً لسيارات التاكسي إضافة إلى الإشغال الكبير للطرق حسب مركز Navigant للبحوث، كل هذا سيجعل امتلاك سيارة اقتصادية فكرة ليست مثيرة إطلاقاً وربما تغلق الوكالات أبوابها وتترك الأمر للتجار المحليين لبعض الطرازات الخاصة فقط.
كل ذلك يجعل من السهل التكهن بمستقبل السيارات الفاخرة والرياضية في مقابل السيارات الاقتصادية التي سيحل محلها نظام النقل العام لانخفاض تكلفته وأفضليته في الأعباء الإضافية إذ لا يحتاج مستخدموه إلى استخدام المواقف المدفوعة أو الانتظار أثناء تعبئة الوقود أو عمل الصيانات الدورية أو تحمل أضرار الحوادث، بشرط انضباط مواعيد عمل النقل العام.
وأخيراً، بدأت صناعة السيارات بتقارب كبير في جودة الإنتاج بسبب ضعف الإمكانيات وقلة الطلب، وتطورت حتى أصبعت الهوة شاسعة بين أرخص سيارة يمكن شراؤها جديدة وأغلى سيارة يمكن اقتناؤها، وستحل المشكلة بسيطرة الصناعة الفاخرة على السوق وسيطرة النقل العام على سوق السيارات الاقتصادية، ومنذ ٢٠١٠ تحديداً وسوق السيارات الفاخرة في تحسن كبير، حتى إن مجموعة بي إم دبليو أطلقت مالا يقل عن ستة طرازات جديدة كلياً من الصفر، وهذا لا يحدث بسهولة إذ تعتبر تلك مغامرة كبيرة، وكذلك بنتلي التي تملك حوالي ٤ طرازات حالياً وستصل إلى ٧ بحلول ٢٠٢٠ أي ارتفاع ١٠٠٪ واستخدام مصانع أكثر واستهداف أسواق أكثر، ومتابعي أخبار سعودي شفت يلاحظون الكثير من الأخبار عن مرسيدس وبي إم دبليو وجاكوار إلخ… ،أكثر من بقية العلامات التجارية خصوصاً فيما يتعلق بالتوسع.